العلماء يبرئون الباراسيتامول.. بعد تصريحات ترامب الصادمة

العلماء يبرئون الباراسيتامول.. بعد تصريحات ترامب الصادمة
24 سبتمبر، 2025 - 12:46 ص

كبسولة الصحية – واشنطن

ربط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين استخدام النساء الحوامل لعقار الباراسيتامول (المعروف في الولايات المتحدة باسم الأسيتامينوفين أو بعلامته التجارية الأشهر “تايلينول”) وبين ارتفاع معدلات الإصابة بالتوحد لدى الأطفال، مثيراً جدلاً واسعاً حول مدى صحة هذا الطرح.

ويأتي تصريح ترامب في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات تشخيص اضطراب طيف التوحد، حيث ارتفعت النسبة من طفل واحد بين كل 150 عام 2000 إلى نحو واحد بين كل 30 اليوم.

هذا التزامن دفع البعض إلى التساؤل عما إذا كان هناك رابط بين العقار واسع الانتشار، الذي يستهلك الأمريكيون وحدهم أكثر من 40% من إنتاجه العالمي، بتكلفة تتجاوز 4 مليارات دولار سنوياً، وبين اضطرابات النمو العصبي.

غير أن المجتمع العلمي يرى الصورة بشكل مختلف، فبينما أشارت بعض الدراسات السابقة إلى وجود علاقة بين تناول الحوامل للباراسيتامول وزيادة احتمالات إصابة أطفالهن بالتوحد أو اضطرابات فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، إلا أن هذه الأبحاث لم تتمكّن من إثبات أن الدواء نفسه هو السبب المباشر.

ورجّح العلماء أن عوامل أخرى مثل الجينات الوراثية، أو البيئة المحيطة بالأم، أو حتى المرض الذي استدعى تناول الدواء (كعدوى فيروسية) قد تكون وراء تلك النتائج.

وأفاد خبراء في الولايات المتحدة بأنّه لا ينبغي على النساء الحوامل الامتناع عن استخدام دواء “تايلينول” أو غيره من المستحضرات المحتوية على الأسيتامينوفين، رافضين ادعاءات إدارة ترامب غير المثبتة بأنه قد يسبّب التوحد.

وأكّدت منظمات طبية كبرى، مثل الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال والكلية الأمريكية لأطباء التوليد وأمراض النساء، أن الأسيتامينوفين يظلّ الخيار الأكثر أماناً لعلاج الألم والحمى أثناء الحمل، وأن فوائده تفوق أي مخاطر محتملة عند استخدامه بالجرعات الموصى بها.

وأشار خبراء إلى أن ترك الألم أو الحمى دون علاج قد يعرّض الأم والجنين لمضاعفات خطيرة، إذ أظهرت مراجعات بحثية أن الحمى خلال الأشهر الأولى من الحمل قد تزيد من خطر التشوهات الخلقية ومشكلات النمو العصبي، بما في ذلك التوحد نفسه، ولذلك، يرى الأطباء أن معالجة الأعراض باستخدام الباراسيتامول تظل أفضل من المخاطرة بتركها دون علاج.

أيضاً تؤكد دراسات أحدث وأكثر شمولاً عدم وجود رابط سببي بين الباراسيتامول والتوحد، ففي السويد، جرى تحليل بيانات 2.5 مليون طفل العام الماضي، وأظهرت النتائج أن الزيادة الطفيفة في المخاطر اختفت تماماً عند مقارنة الأشقاء الذين وُلدوا لأمهات تناولن الدواء في حمل ما وتجنبنه في حمل آخر.

واعتبر الباحث الرئيسي، الدكتور فيكتور ألكفيست من معهد كارولينسكا في ستوكهولم، أن هذه النتيجة تقدم “دليلاً قوياً ضد فكرة أن الباراسيتامول يسبب ضرراً”.

كما شدّد الباحثون على أن الدراسات التي أشارت إلى روابط محتملة بين استخدام الدواء واضطرابات النمو تعاني من “تحيزات خطيرة” ونواقص منهجية، أبرزها الاعتماد على الإبلاغ الذاتي للحوامل وعدم توثيق جرعات أو ظروف الاستخدام. وخلصت الهيئات الطبية إلى أن الأسيتامينوفين آمن بشكل عام، داعية النساء إلى التشاور مع أطبائهن قبل اتخاذ أي قرارات علاجية أثناء الحمل.

وبناءً على هذا التوازن العلمي، ما زالت السلطات الصحية في بريطانيا وعدة دول أخرى توصي باستخدام الباراسيتامول كخيار آمن لتخفيف الألم أو خفض الحرارة أثناء الحمل، بل وتعتبره أفضل من بدائل مثل الإيبوبروفين التي ثبت أنها قد تسبب أضراراً محتملة للأم أو الجنين.

وحذّر الأطباء من أن تجنب تناول الدواء عند الحاجة قد يكون أخطر على صحة الأم والجنين من استخدامه.

غير أن تصريحات ترامب تثير، وفق خبراء، إشكالية أخرى، إذ يمكن أن تزيد من الوصم الاجتماعي الذي تتعرض له أمهات الأطفال المصابين بالتوحد، في ظل تاريخ طويل من إلقاء اللوم على الأمهات في مثل هذه الحالات.

كما يخشى الباحثون أن يؤدي هذا الخطاب إلى صرف الانتباه عن قضايا أكثر إلحاحاً في رعاية الأطفال المصابين بالتوحد وتوفير الدعم لأسرهم.

وذهب محللون إلى أن إثارة مثل هذه القضايا، حتى دون سند علمي، قد تكون جزءاً من خطاب سياسي مثير للجدل اعتادت إدارة ترامب استخدامه، تماماً كما فعلت في ملفات مثل اللقاحات أو الأدوية الأخرى، غير أن العلماء يؤكدون أن العلم لا يخضع للمعتقدات أو التصريحات السياسية، بل للأدلة الموثوقة فقط.