MESTRO 2025 Congress

حلو المذاق مُرّ الحقيقة: المحليات الصناعية في قفص الاتهام العلمي

حلو المذاق مُرّ الحقيقة: المحليات الصناعية في قفص الاتهام العلمي
7 نوفمبر، 2025 - 7:51 م

الرياض – كبسولة الصحية

في سعينا الدائم نحو الرشاقة والصحة، ظهرت المحليات الصناعية كحلٍ سحري ومنقذ من “شرور” السكر. مشروبات غازية “دايت”، زبادي “خالٍ من السكر”، وحلويات “صديقة للكيتو”، كلها تعدنا بالاستمتاع بالطعم الحلو دون الشعور بالذنب أو زيادة الوزن. لكن هل هذا الوعد حقيقي؟ في السنوات الأخيرة، بدأت الشكوك تحوم حول هذه البدائل، وبلغت ذروتها بـ تحذيرات مباشرة من منظمات صحية عالمية كبرى، واضعةً سلامتها وفعاليتها على المدى الطويل موضع تساؤل جاد لم يعد بالإمكان تجاهله.

ما هي المحليات الصناعية وكيف تعمل؟

المحليات الصناعية (Non-nutritive sweeteners) هي مواد كيميائية مصنعة أو مستخلصة من النباتات، تتميز بقدرتها على توفير مذاق حلو يفوق السكر بمئات المرات، ولكن بسعرات حرارية شبه منعدمة. أشهرها في الأسواق:

  • الأسبارتام (Aspartame): يوجد في المشروبات الغازية “الدايت” والعلكة.
  • السكرالوز (Sucralose): يُباع تجارياً ويستخدم في الطهي والمخبوزات.
  • السكرين (Saccharin): من أقدم المحليات الصناعية.
  • ستيفيا (Stevia): مُحلٍّ طبيعي مستخلص من نبتة الستيفيا.

تعمل هذه المواد عن طريق تحفيز مستقبلات الطعم الحلو على اللسان بقوة، لكن الجسم لا يستطيع تكسيرها واستخدامها كطاقة بنفس طريقة السكر العادي، فتمر عبر الجهاز الهضمي دون أن يتم امتصاصها بالكامل.

ساحة الجدل: الفوائد المزعومة مقابل المخاطر المحتملة

ينقسم الخبراء حول المحليات الصناعية إلى فريقين، لكل منهما حججه القوية:

فريق المؤيدين: “أداة مفيدة عند استخدامها بحكمة

يرى هذا الفريق أن المحليات الصناعية يمكن أن تكون أداة فعالة في حالات معينة:

  • التحكم في سكر الدم: تعتبر بديلاً آمناً لمرضى السكري من النوع الأول والثاني.
  • صحة الأسنان: لا تساهم في تسوس الأسنان، لأن بكتيريا الفم لا تستطيع التغذي عليها.
  • خسارة الوزن (على المدى القصير): يمكن أن تساهم في تقليل إجمالي السعرات الحرارية اليومية كجزء من نظام غذائي شامل.

فريق المعارضين والخبراء المتشككين: “حل قصير الأمد بمخاطر طويلة الأمد

هذا الفريق، الذي اكتسب زخماً كبيراً مؤخراً، يبني تحذيراته على مجموعة متزايدة من الأدلة:

  • تحذير منظمة الصحة العالمية (WHO): في عام 2023، أصدرت المنظمة دليلاً إرشادياً ينصح بعدم استخدام المحليات الصناعية بهدف التحكم في الوزن أو تقليل مخاطر الأمراض غير المعدية. وخلصت مراجعتها إلى أن استخدامها لا يقدم أي فائدة طويلة الأجل في تقليل دهون الجسم. بل أشارت إلى أن الاستخدام طويل الأمد قد يزيد من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والوفاة لدى البالغين.
  • الارتباط بالسرطان: في يوليو 2023، صنفت الوكالة الدولية لبحوث السرطان (IARC)، التابعة لمنظمة الصحة العالمية، مُحلّي الأسبارتام على أنه “مادة يُحتمل أن تكون مسرطنة للبشر” (المجموعة 2B). ورغم أن هيئات تنظيمية أخرى لا تزال تعتبره آمناً ضمن الحدود الموصى بها، إلا أن هذا التصنيف أثار قلقاً عالمياً.
  • التأثير على بكتيريا الأمعاء (الميكروبيوم): تشير دراسات حديثة إلى أن بعض المحليات قد تغير من توازن البكتيريا النافعة في الأمعاء، مما قد يؤثر سلباً على الهضم والاستجابة لسكر الدم.
  • خداع الدماغ وزيادة الرغبة في تناول السكر: المحليات الصناعية تقدم المذاق الحلو دون الطاقة، مما قد يربك “نظام المكافأة” في الدماغ ويزيد الرغبة في تناول الأطعمة السكرية الحقيقية لتعويض النقص.

ماذا تفعل كمستهلك؟

في ظل هذا الجدل المعقد، النهج الأكثر أمانًا وذكاءً هو الاعتدال والعودة إلى الطبيعة:

– قلل من الحلو بشكل عام: الهدف لا ينبغي أن يكون استبدال السكر بمادة كيميائية، بل تدريب حاسة التذوق على الاستمتاع بنسبة حلاوة أقل.

– اقرأ الملصقات الغذائية: كن واعياً بوجود المحليات الصناعية في المنتجات “الخالية من السكر” أو “الدايت”.

– اختر البدائل الطبيعية (باعتدال): عند الحاجة للتحلية، استخدم كميات صغيرة من الفاكهة المهروسة أو القليل من العسل الطبيعي، مع الأخذ في الاعتبار أنها لا تزال تحتوي على سعرات حرارية.

– استشر طبيبك: إذا كنت مصاباً بالسكري أو حالة صحية أخرى، تحدث مع طبيبك أو أخصائي التغذية حول أفضل الخيارات المتاحة لك.

الرسالة النهائية: المحليات الصناعية ليست “رصاصة سحرية” للصحة، وقد لا تكون صديقة كما كنا نعتقد. الحل الحقيقي والمستدام يكمن في بناء علاقة صحية مع الطعام، تعتمد على الأطعمة الكاملة غير المصنعة، والاعتدال كقاعدة ذهبية.