لندن – كبسولة الصحية
يكتشف بعض المرضى حقيقة مزعجة، تتمثل في آلام الصداع المستمرة لديهم التي كانت تُغذّيها نفس الأدوية التي يعتمدون عليها لتخفيف الألم، هذه الحالة الطبية الموثقة، المعروفة باسم “الصداع الناتج عن الإفراط في تناول الأدوية” (Medication Overuse Headache)، هي ظاهرة قابلة للشفاء غالباً بمجرد تشخيصها، وتصيب نحو 1 إلى 2 % من الناس، وهي أكثر شيوعاً بثلاث إلى أربع مرات لدى النساء.
يُبلغ الأطباء عن ملاحظة نمط واضح لدى المصابين؛ حيث يعانون من صداع متكرر يبدأ أو يزداد سوءاً بعد تناول مسكنات الألم بانتظام لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر. ويمكن أن يحدث هذا لدى الأشخاص الذين يعانون أساساً من الصداع النصفي أو صداع التوتر أو حتى حالات مؤلمة أخرى مثل آلام الظهر والمفاصل. وقد يتناول المرضى عدة أنواع من الأدوية، غالباً بجرعات متزايدة، وينتهي بهم الأمر في دوامة محبطة لا تبدو منطقية للوهلة الأولى.
أدوية شائعة وخطورة متصاعدة
ليست المواد الأفيونية القوية وحدها هي التي يمكن أن تسبب هذا النوع من الصداع، بل يمكن لمسكنات الألم الشائعة والتي تُصرف دون وصفة طبية، مثل الباراسيتامول ومضادات الالتهاب غير الستيرويدية (كالإيبوبروفين)، أن تلعب دوراً كبيراً أيضاً. وقد أظهرت الدراسات أن الاستخدام المنتظم للباراسيتامول وحده قد يُسبب صداعاً مزمناً لدى بعض الأشخاص، رغم أن الآثار الجانبية الخطيرة للجرعات الكبيرة (مثل فشل الكبد) تظل أكثر خطورة. حتى إن الأدوية التي تُستخدم لوقف نوبات الصداع النصفي، مثل التريبتانات، يمكن أن يؤدي الإفراط في استخدامها إلى نفس النتيجة.
أوضح دان بومغاردت، محاضر أول بكلية علم النفس وعلم الأعصاب بجامعة بريستول، لموقع “ساينس آلرت”، أن التشخيص يعتمد على نوع الدواء ومدة الاستخدام، فبالنسبة للباراسيتامول أو مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، قد يظهر الصداع المزمن عند تناولها لمدة 15 يوماً أو أكثر شهرياً. أما بالنسبة للمواد الأفيونية، فقد يظهر الصداع مع استخدام أقل تواتراً، أحياناً بعد عشرة أيام فقط شهرياً.
الخوف من الأورام ودور الطبيب المحقق
على الرغم من أن الكثيرين يخشون الإصابة بورم في المخ عند معاناتهم من الصداع المستمر، فإن أقل من 1 في المائة ممن يُصابون بالصداع يُصابون به بالفعل، ومعظم الحالات تكون غير ضارة. ونظراً لتعدد الأسباب المحتملة، يجب على الطبيب العام أن يقوم بدور المحقق.
يتطلب التشخيص السليم تاريخاً طبياً مفصلاً وفحصاً دقيقاً، يلي ذلك في بعض الأحيان إحالة إلى اختصاصي. لكن يكمن التحدي في تحديد ما إذا كان الصداع يُشير إلى سبب كامن خطير أم أنه حميد. ولهذا، من المهم استشارة الطبيب إذا احتاج المريض إلى استخدام أي مسكنات ألم لفترة طويلة، والاحتفاظ بـ مذكرات يومية للصداع للمساعدة في التشخيص.
العلاج وخطوة التوقف الصعبة
غالباً ما يصعب على المرضى إدراك أن دواءهم هو سبب المشكلة، ما يجعل علاج هذا الصداع صعباً. عادةً ما يتضمن العلاج التوقف التدريجي عن تناول الدواء تحت إشراف طبي، وصولاً إلى التوقف التام.
يخشى البعض من تفاقم الألم مع تقليل الجرعة، لذلك يُعدّ التعاون الوثيق مع الطبيب أمراً بالغ الأهمية لتأكيد التشخيص، ومراقبة التقدم، والتخطيط للخطوات التالية في العلاج. وفي النهاية، فقط عندما يتوقف بعض المرضى عن تناول أدوية معينة تماماً، يكتشفون حقيقة أن آلامهم كانت تُغذّيها نفس الأدوية التي يعتمدون عليها.