فيلادلفيا – كبسولة الصحية
لم تكن خطوات الطفل “كيه جيه مولدون” الأولى مجرد ذكرى عائلية عادية، بل كانت شهادة ميلاد جديدة لعلم “الطب الشخصي”. فهذا الطفل الذي استقبلته الدنيا بجينات معطوبة كادت تنهي حياته في أسابيعها الأولى، أصبح اليوم حياً يرزق بفضل تقنية جينية صُممت خصيصاً لتناسب شيفرته الوراثية دون غيره من البشر.
عندما يتحول الغذاء إلى “سم”
وُلد “كيه جيه” وهو يفتقد لآلية حيوية في كبده (إنزيم CPS1) مسؤولة عن تنظيف الدم من فضلات البروتين المعروفة بـ “الأمونيا”. في حالته، كان كل غرام من الحليب يتحول إلى سموم تهاجم دماغه، مما جعله يقضي أيامه الأولى بين جدران العناية المركزة، في انتظار حكم طبي لم يكن متفائلاً ببقائه.
“الممحاة الذكية” لإصلاح العطب
التحول الجذري حدث عندما قرر فريق طبي من جامعة بنسلفانيا تجربة نهج غير مسبوق؛ فبدلاً من البحث عن متبرع بالكبد أو أدوية تقليدية، استخدموا تقنية “تعديل القواعد” (Base Editing).
هذه التقنية تعمل مثل “المصحح الإملائي الذكي”؛ فهي تدخل إلى نواة الخلية، وتبحث عن الحرف الجيني الخاطئ الذي تسبب في تعطيل الكبد، وتقوم باستبداله بحرف صحيح. بهذا التصحيح الدقيق، بدأ كبد الطفل في إنتاج الإنزيم المفقود ذاتياً، وكأن العطب لم يكن موجوداً من قبل.
حياة طبيعية خارج المستشفى
اليوم، غادر “كيه جيه” صخب الأجهزة الطبية ليحتفل بعامه الأول في منزله. النتائج لم تكن مجرد أرقام في مختبر، بل تجسدت في قدرته على:
– المشي والحركة: متجاوزاً التوقعات التي كانت تشير إلى احتمالية إصابته بإعاقات دائمية.
– الأكل الطبيعي: كسر حاجز الخوف من البروتينات التي كانت تهدد حياته.
– فتح باب الأمل: تقديم دليل عملي على أن إصلاح الجينات البشرية لم يعد خيالاً، بل وسيلة لإنقاذ الأرواح.
بهذا النجاح، يودع العالم عصر “الدواء الواحد للجميع”، ويستعد لعصر جديد يُصاغ فيه العلاج بناءً على خريطة المريض الجينية، مما يغير خارطة التعامل مع الأمراض النادرة حول العالم.