كبسولة الصحية – لندن
في عالم الطب الذي يعتمد غالبًا على تناول الأدوية بشكل يومي ومستمر، يبرز مفهوم علاجي ثوري من خلال كتاب جديد للدكتور إريك توبول، وهو خبير عالمي في الطب الجينومي. الفكرة الأساسية بسيطة لكنها جذرية: حقنة واحدة قد تكون كافية لعلاج مدى الحياة، وذلك من خلال إعادة برمجة الجهاز المناعي للجسم ليصبح هو الدواء نفسه.
كيف يعمل هذا العلاج؟
يعتمد هذا النهج على استخدام الخلايا التائية (T-cells)، وهي خلايا مناعية أساسية في الجسم. يتم استخراج هذه الخلايا من دم المريض ثم تعديلها جينيًا باستخدام تقنيات متطورة مثل كريسبر (CRISPR) أو العلاج بالخلايا التائية ذات مستقبلات المستضد الخيمرية (CAR-T Therapy).
تُصبح هذه الخلايا بعد تعديلها “خلايا ذكية” قادرة على التعرف على الخلايا السرطانية أو الخلايا المسببة للأمراض المناعية واستهدافها بدقة فائقة، دون أن تؤثر على الخلايا السليمة. عند إعادة هذه الخلايا المعدلة إلى جسد المريض، فإنها تعمل كـ “أدوية حية” تتكاثر وتتعلم داخل الجسم، مما يوفر علاجًا طويل الأمد وربما نهائيًا.
إنجازات واعدة في علاج الأمراض المستعصية
هذه التقنية الجديدة حققت نتائج مبهرة، حيث نجحت فرق بحثية في علاج مرضى الذئبة الحمراء، وهو أحد أخطر أمراض المناعة الذاتية، باستخدام حقنة واحدة فقط من هذه الخلايا المعدلة. لم تتوقف النتائج عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل أمراضًا مزمنة أخرى مثل:
الربو المزمن.
التصلب المتعدد.
التليف القلبي، حيث استعادت الفئران قدرتها القلبية بعد زوال التليف.
الميزة الفريدة لهذا العلاج هي أنه لا يقوم بتثبيط الجهاز المناعي بشكل كامل كما تفعل العلاجات التقليدية، بل يعيد ضبطه ويوقف الهجمات المناعية الموجهة فقط، مع الحفاظ على قدرة الجسم على الدفاع عن نفسه ضد العدوى.
آفاق مستقبلية واعدة
يؤكد الدكتور توبول في كتابه أن هذا التوجه لا يقتصر على علاج الأمراض، بل يهدف إلى “إعادة تشغيل الجهاز المناعي” لمكافحة الشيخوخة وتحسين جودة الحياة في النصف الثاني من العمر. هذه المقاربة العلاجية تفتح الباب أمام مستقبل يصبح فيه الدواء خلية تُبرمج، لا قرصًا يُبلع.
تُشير التوقعات إلى أن دولًا مثل السعودية والإمارات، التي تمتلك بنية تحتية بحثية متطورة، قد تكون في طليعة الدول التي تُشارك في تطوير وتوفير هذا النوع من العلاج المستقبلي.