القاهرة – محمد مطاوع
في إنجاز علمي يغيّر قواعد التعامل مع أخطر الأمراض المزمنة والسرطانات، مُنح البروفيسور الياباني شيمون ساكاغوتشي إلى جانب الأمريكيين ماري برونكو وفريد رامسديل، “جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب” لعام 2025.
جاء هذا التتويج تقديراً لاكتشافهم المحوري الذي يفسر آلية التحمّل المناعي المحيطي، أو بعبارة أبسط: كيف يمنع الجسم جهازه المناعي من مهاجمة أنسجته السليمة.
تتجه الأنظار إلى ستوكهولم لتكريم هذا الثلاثي في 10 ديسمبر المقبل، وهو اكتشاف يمثل مفتاح التحكم في “جنون” الجهاز المناعي، الذي قد يتحول من حامٍ إلى مهاجم ذاتي.
كيف اكتشف ساكاغوتشي “المكابح” الداخلية؟
كرّس شيمون ساكاغوتشي، المتخصص في علم المناعة بجامعة أوساكا، حياته لفهم “قواعد اللعبة” التي تحكم التمييز بين “الذات” و”العدو” داخل جسم الإنسان، فكان التحدي الأكبر هو الإجابة عن السؤال: ما الذي يمنع جهازنا المناعي من تدميرنا؟
في عام 1995، نجح ساكاغوتشي في تحقيق إنجازه الأبرز بتحديد مجموعة من الخلايا المناعية تُعرف بـ “الخلايا التائية التنظيمية” (Tregs)، هذه الخلايا لا تهاجم؛ بل وظيفتها الرئيسية العمل كـ “حراس أمن” أو “فرامل” للجهاز المناعي، حيث تعمل على:
– قمع الهجوم: تثبيط الخلايا التائية الأخرى التي تبدأ بمهاجمة الأنسجة السليمة في أعضاء الجسم المختلفة.
– ضمان التسامح: فرض ما يُعرف بـ التحمّل المناعي المحيطي، لضمان استقرار المناعة في جميع أنحاء الجسم.
تطبيقات الاكتشاف المزدوجة
يُعد الاكتشاف، الذي عززته لاحقاً أبحاث برونكو ورامسديل، أساساً لمجال بحثي جديد فتح آفاقاً علاجية مذهلة تتعلق بتنظيم الخلايا التائية التنظيمية في اتجاهين متعاكسين:
أولاً: تهدئة المناعة في الأمراض الذاتية
تنشأ أمراض المناعة الذاتية – مثل السكري والتهاب المفاصل- بسبب خلل في الخلايا التائية التنظيمية، ما يسمح للجهاز المناعي بالهجوم. الآن، يطور العلماء طرقاً لـ تعزيز نشاط هذه الخلايا (Tregs) لتهدئة الهجوم المناعي على الأنسجة، مما يعد بفعالية أكبر في علاج هذه الأمراض المزمنة.
ثانياً: إطلاق المناعة لمكافحة السرطان
في المقابل، وجد العلماء أن الخلايا السرطانية تستغل “ذكاء” هذه الخلايا (Tregs) لحماية نفسها؛ حيث تتجمع الخلايا التائية التنظيمية حول الورم لمنع الخلايا المناعية المقاومة للسرطان من تدميره، وبناءً على هذا الاكتشاف، تركز العلاجات المناعية الحديثة على تعطيل عمل هذه الخلايا في محيط الورم، لإطلاق العنان للجهاز المناعي والقضاء على الخلايا السرطانية.
هذا الإنجاز يرسخ مبدأ أن مفتاح صحة الإنسان يكمن في ذكاء تنظيم الجهاز المناعي وقدرته على التسامح والتحكم، وليس فقط في قوته.