الرياض – كبسولة الصحية

دخل أحد المراجعين عيادتي – في أول زيارة له عندي – غاضباً شاتماً مزمجراً يكاد يسطو بي وبمن معي، فابتدرته بابتسامة وحلم جميل وكلام لطيف.

كان موقفي الهادئ نابعاً من إدراكي الفوري لحقيقة طبية: علامات مرضية واضحة لـ فرط نشاط الغدة الدرقية. أدركت ذلك لأول وهلة حال دخوله عليّ وقبل اطلاعي على ملفه الطبي.

الغدة الدرقية: حين يطغى النشاط على السلوك الاجتماعي

الحقيقة الطبية التي يغفل عنها كثيرون هي أن فرط نشاط الغدة الدرقية يجعل الإنسان يفرط ويطغى حتى على أقرب الناس إليه وعلى من يحسن إليه! ومن الأعراض الطارئة لهذه الحالة: العصبية وسرعة الغضب والسباب، والانفعالات المتكررة لأتفه الأسباب.

تُرى كم نتج من مآسٍ اجتماعية: خصام، فرقة، اعتداء، طلاق… إلخ، بسبب عدم إدراك هذه الحقيقة الطبية (أن فرط نشاط الغدة الدرقية يسبب سرعة الغضب والعصبية).

والحمد لله أن هذه الحالة الطارئة تزول بالعلاج الصحيح خلال فترة وجيزة.

لذلك، لا بد من:

– التعامل مع هذه الحالات بحكمة وحلم ومسايسة للمريض.

– انتظار المفعول: الصبر حتى يبدأ العلاج في أداء مفعولِه ويتمكن المريض من السيطرة على تصرفاته وانفعالاته.

اعتذار في الزيارة التالية.. “رفقاً بالمصابين!”

عَوداً على مريضي، فقد جاءني في العيادة نفسها في الزيارة التالية ضاحكاً مبتسماً هاشاً باشّاً وما لبث أن تحايل عليّ ليقبّل رأسي معتذراً -مع كبر سنه عني-.

كان هذا التصرف تقديراً لموقفي معه، وتكفيراً لموقفه معي في الزيارة السابقة، واعترافاً باستفادته من العلاج، وكان يذكر جيداً كيف احتوينا ذلك الموقف في الزيارة السابقة.

ذلك درس نقدّمه لحضرات الزملاء المعالِجين والأهل والمرافقين والمصاحبين، ونقول: “رفقاً بالمصابين!”.

• د. عطا الله الرحيلي استشاري أول – الغدد الصماء والسكري