الرياض – كبسولة الصحية
يمثل مرض السكري أزمة صحية عالمية متنامية تتطلب استجابة عاجلة ومنسقة على جميع المستويات، مع وجود 589 مليون بالغ يعيشون حالياً مع المرض، وتوقعات بالارتفاع المستمر لهذا العدد إلى 853 مليون بحلول عام 2050، فإن الحاجة إلى العمل الفوري تبقى أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
يتطلب التصدي لهذا الوباء جهداً تعاونياً لزيادة الوعي، وتعزيز أنماط الحياة الصحية، وضمان حصول كل مريض على التشخيص المبكر والإدارة الجيدة للمرض.
إن الوقاية ممكنة، والتشخيص المبكر منقذ للحياة، والإدارة الجيدة تحول دون المضاعفات، حيث تتزامن هذه النظرة الشاملة والمحدثة مع حلول اليوم العالمي للسكري في 14 نوفمبر، وهو تاريخ اختير تذكيراً بميلاد السير فريدريك بانتينج، أحد مكتشفي الإنسولين، الذي غيّر حياة المرضى.
السكري وباء عالمي يتجاوز الحدود
يمثل داء السكري تحدياً صحياً عالمياً متصاعداً، يوصف بأنه وباء صامت يهدد حياة مئات الملايين من البشر، ويثقل كاهل الاقتصادات بنفقات ضخمة.
وتكشف أحدث بيانات الاتحاد الدولي للسكري (IDF) لعام 2024 عن حجم الأزمة، حيث يعيش حالياً 589 مليون بالغ – بين 20 و79 عاماً- مع مرض السكري، أي ما يعادل شخصاً واحداً من كل 9 بالغين حول العالم، والمثير للقلق أن أكثر من 4 من كل 10 مصابين لا يدركون إصابتهم بالمرض، مما يعني بقاء ملايين الحالات دون تشخيص أو علاج مناسب، فقد تجاوز عدد البالغين المصابين 800 مليون شخص، بزيادة تفوق أربعة أضعاف العدد المسجل في عام 1990.
توقعات مستقبلية مقلقة
تنذر التوقعات المستقبلية بالمزيد من التفاقم، حيث يُتوقع أن يرتفع عدد المصابين إلى 853 مليون شخص بحلول عام 2050، مما يعني أن واحداً من كل 8 بالغين سيصاب بالسكري، حيث يشكل السكري من النوع الثاني أكثر من 90% من الحالات، وهو النوع الذي يمكن الوقاية منه عبر تغيير نمط الحياة.
يتضح التفاوت الصارخ في توزيع عبء المرض، حيث يعيش أكثر من 4 من كل 5 بالغين (81%) مصابين بالسكري في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وهي الأقل تجهيزاً للتعامل مع هذا العبء، إذ تأتي منطقة غرب المحيط الهادئ في الصدارة بأعلى عدد من المصابين (215 مليوناً)، تليها منطقة جنوب شرق آسيا، ثم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تريليون دولار و3.4 مليون وفاة
تُعد التكلفة البشرية للمرض كارثية، فقد كان السكري مسؤولاً عن 3.4 مليون حالة وفاة في عام 2024 وحده، أي وفاة إنسان كل 9 ثوانٍ. أما العبء الاقتصادي، فقد تجاوز تريليون دولار أمريكي لأول مرة في عام 2024، مما يمثل ضغطاً هائلاً على الأنظمة الصحية العالمية.
الشرق الأوسط بؤرة عالمية للسكري
يُعد إقليم شرق المتوسط، الذي يشمل معظم الدول العربية، البؤرة الأكثر تضرراً من وباء السكري على مستوى العالم، مسجلاً أعلى معدل انتشار إقليمي، حيث يعاني الإقليم من أعلى معدل انتشار إقليمي للسكري بنسبة 17.6%، أي ما يعادل شخصاً واحداً من كل 6 أشخاص بالغين، ويُعاني حالياً 73 مليون شخص بالغ في الإقليم من المرض، كما يشهد الإقليم ثاني أعلى زيادة متوقعة في العالم، إذ يُتوقع أن يرتفع عدد المصابين بنسبة 86% ليصل إلى 136 مليون شخص بحلول عام 2045، ويُشكل عدم التشخيص تحدياً إضافياً، حيث لا تزال ثلث الحالات في الإقليم غير مشخص، ويعاني الإقليم من أزمة اجتماعية واقتصادية عميقة مرتبطة بالوفيات المبكرة، حيث يسجل أعلى نسبة (24.5%) من الوفيات الناجمة عن السكري في صفوف الأفراد في سن العمل، مما يمثل خسارة هائلة للمجتمعات. سُجلت 796,000 حالة وفاة مرتبطة بالسكري في الإقليم عام 2021.
الدول العربية في طليعة القائمة العالمية
تتصدر 6 دول من إقليم شرق المتوسط قائمة الدول العشر ذات أعلى معدلات انتشار للسكري في العالم، حيث تتربع الكويت على المرتبة الأولى عربياً بنسبة انتشار تبلغ 25.6%، تليها قطر بنسبة 24.6%، ثم المملكة العربية السعودية بنسبة 23.1%، ومصر بنسبة 22.4%، كما تُقدر أعداد المصابين في السعودية وحدها بـ 3.85 مليون شخص، وترجع هذه المعدلات المرتفعة إلى التحول السريع لأنماط الحياة الحضرية، وانخفاض النشاط البدني، وارتفاع معدلات السمنة.
أنواع المرض والمضاعفات المدمرة
يُقسم السكري إلى ثلاثة أنماط رئيسية، لكل منها خصائصه وطرق علاجه، فيُعد السكري من النمط الأول مرضاً مناعياً ذاتياً يتميز بنقص في إنتاج الإنسولين، ويتطلب تعاطي الإنسولين يومياً للبقاء على قيد الحياة، ويشكل السكري من النمط الثاني أكثر من 95% من الحالات، ويؤدي إلى مقاومة للإنسولين وارتفاع مستويات السكر في الدم، وكان يُلاحظ سابقاً في البالغين فقط، لكنه صار يصيب الأطفال والمراهقين بشكل متزايد، مع ملاحظة أن الوقاية منه ممكنة إلى حد كبير من خلال نمط حياة صحي، إضافة إلى ذلك سكري الحمل، الذي يحدث أثناء فترة الحمل ويرفع احتمالية حدوث مضاعفات عند الولادة.
الأعراض والعلامات الواضحة
تشمل الأعراض التحذيرية الشائعة العطش الشديد، وزيادة التبول، وعدم وضوح الرؤية، والشعور بالتعب، وفقدان الوزن غير المقصود. أما المضاعفات طويلة الأمد فهي مدمرة، إذ يتسبب السكري في العمى، والفشل الكلوي، والنوبات القلبية، والسكتات الدماغية، وبتر الأطراف السفلية، لكن هذه المضاعفات ليست حتمية ويمكن تجنبها أو تأخيرها عبر الإدارة الجيدة للمرض.
الوقاية والإدارة.. استراتيجيات فعالة لمواجهة الوباء
يُعد تغيير نمط الحياة حجر الزاوية في الوقاية من السكري من النمط الثاني ومضاعفاته، خاصة وأن هذا المرض يحمل عبئاً نفسياً كبيراً؛ إذ يعاني نحو 36% من المصابين به من الضغوط النفسية.
استراتيجيات الوقاية والتشخيص
ورغم خطورة المرض، يمكن الوقاية من السكري من النوع الثاني أو تأخير ظهوره عبر الحفاظ على وزن صحي، وممارسة النشاط البدني المنتظم لمدة 150 دقيقة على الأقل أسبوعياً، مع اتباع نظام غذائي صحي يحد من السكريات والدهون المشبعة، وكذلك الإقلاع عن التدخين، كما يُعد التشخيص المبكر من أهم عوامل الوقاية لمنع أسوأ آثار المرض، وتتمثل أفضل طريقة في إجراء الفحوصات الدورية واختبارات الدم لدى مقدم الرعاية الصحية، كما يمثل التثقيف العلاجي للمرضى عنصراً أساسياً في تحسين عافية المصابين، إذ يمكّنهم من اتخاذ قرارات مستنيرة، وإدارة علاجهم، ومواجهة التحديات اليومية للمرض.
الجهود العالمية لمكافحة السكري
تلتزم منظمة الصحة العالمية بتحفيز ودعم اعتماد تدابير فعالة للمراقبة والوقاية والسيطرة على داء السكري ومضاعفاته، ففي عام 2021، أطلقت المنظمة “الاتفاق العالمي للسكري (Global Diabetes Compact)”، الذي يتضمن رؤية للحد من خطر الإصابة وضمان حصول جميع الأشخاص المشخصين بالمرض على العلاج والرعاية المناسبة، كما أصدرت في نوفمبر 2024 إرشادات حول الرصد العالمي للوقاية من السكري والسيطرة عليه، التي تهدف إلى مساعدة البلدان في تقييم تدخلاتها المتعلقة بالسكري، وتحديد الفجوات، وأولويات الموارد، كما يواصل المكتب الإقليمي للمنظمة لشرق المتوسط تنفيذ حزم تقنية لإدماج الأمراض غير السارية في الرعاية الصحية الأولية في بلدان الإقليم، وقد أنشأ المكتب شبكةً من الخبراء للتصدي للتحديات التي تواجه الغسيل الكلوي في أثناء حالات الطوارئ.