“مركز الأطراف الصناعية” السعودي.. أمل جديد في حياة الطفلة “ماتيلدا”

“مركز الأطراف الصناعية” السعودي.. أمل جديد في حياة الطفلة “ماتيلدا”
17 فبراير، 2025 - 11:16 ص
على كرسي متحرك دخلت الطفلة الأوكرانية “ماتيلدا”، ذات الأعوام الثمانية، إلى مركز الأطراف الصناعية التابع لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في بولندا، في عينيها امتزجت نظرات الحزن والأمل؛ حُزن على طفولة سلبت منها القدرة على اللعب والحركة، وأمل في أن تجد علاجًا يعيد لها جزءًا مما فقدته.
لم تكن “ماتيلدا” تختلف عن أي طفلة أخرى، تلهو وتلعب بين أزقّة قريتها الأوكرانية، قبل أن تتغير حياتها إلى الأبد. في لحظة واحدة فقدت ساقيها أسفل الركبتين جراء الحرب في أوكرانيا، وتحولت من طفلة مليئة بالحركة والنشاط إلى أخرى تواجه مستقبلًا مجهولًا.
كان وقع الصدمة على والديها لا يوصف، فهما لا يُدركان كيف يمكن لطفلتهما الصغيرة أن تستوعب هذا التحول الجذري، أو كيف ستعيش حياتها دون القدرة على المشي.
ما حدث لـ”ماتيلدا” تسبب بأزمة نفسية وصحية كبيرة، فهي لم تعد قادرة على الحركة أو المشي أو اللعب كما اعتادت، ولا تستطيع الجلوس بشكل طبيعي؛ مما أحدث صدمة كبيرة على طفلة في مثل سنها مليئة بالنشاط والحيوية، ومقبلة على الحياة.
وأمام واقع أليم ومستقبل غامض ينتظر الطفلة “ماتيلدا”، وجد والداها أنفسهما أمام تكاليف مالية باهظة، فأصبحا لا يعرفان كيف يتصرفان أو إلى أين يتوجهان، وسط هذه المعاناة، انبثق الأمل من مملكة الإنسانية المملكة العربية السعودية، ممثلةً بـ”مركز الملك سلمان للإغاثة”، الذي أطلق “برنامج الأطراف الصناعية وإعادة التأهيل” لمصابي الحروب والكوارث.
وصلت إلى والديّ “ماتيلدا”، أخبار “برنامج الأطراف الصناعية وإعادة التأهيل” الذي يقدم خدمات نوعية مجانية لمرضى البتر، المخصص لمتضرري الحرب الأوكرانية في جمهورية بولندا، وبعد إدراج وزارة الصحة في بولندا -الدولة التي يُنفِّذ فيها المشروع- اسم ابنتهما في قوائم مرضى البتر، أدركا أن هناك من يمكنه مساعدتهم، وأن طفلتهما قد تحصل على فرصة جديدة للحياة.خطوة أولى في رحلة استعادة الحياة
بعملية لوجستية مُعقدة، نُقلت “ماتيلدا” إلى مركز الأطراف الصناعية في بولندا، حيث استُقبلت بابتسامة من الفريق الطبي، وهي رسالة بأن الألم سيبدأ بالتلاشي. بدأت رحلتها العلاجية بخضوعها لتقييم طبي دقيق، وأُنشئ لها ملفٌ طبي شاملٌ، ووُضعت خطة علاجية تأخذ بعين الاعتبار حالتها الجسدية والنفسية.
راعت الخطة العلاجية مستوى ونوع البتر عند “ماتيلدا”، وخصائص الجزء المتبقي من أطراف ساقيها، إضافة إلى الأهداف والتوقعات والرغبات واحتياجاتها الفردية؛ للحصول على الخدمة المأمولة.
عمل الفريق الطبي السعودي على طمأنة “ماتيلدا”، وتعريفها بالرحلة التي تنتظرها، وأن هذا المكان ليس مجرد مركز طبي، بل محطة لاستعادة الحياة، قبل تركيب الأطراف.
خضعت “ماتيلدا” لبرنامج تأهيلي؛ بهدف تقوية عضلاتها، وتحسين توازنها، وتخفيف آلام البتر. في هذه المرحلة لم يكن الهدف تجهيز جسدها لاستقبال الطرفين الصناعيين فحسب، بل أيضًا تحضيرها نفسيًا لتقبّل التغيير.
ومن هذا اليوم بدأت علاقتها بمركز الأطراف الصناعية الذي يقوم عليه متخصصون سعوديون يحرصون على تحسين جودة حياة المستفيدين عبر تقديم أفضل رعاية طبية وتأهيلية.
ويضم البرنامج أطباء في (جراحة العظام، والتأهيل الطبي) ومتخصصين في الأطراف الصناعية (مهندسي تصميم وصناعة الأطراف الصناعية، وفنيين مختصين في تركيب الأطراف وتعديلها)، وأخصائيي العلاج الطبيعي والتأهيل، ويخضع المستفيد إلى جلسات إعادة التأهيل بعد تركيب الأطراف، ليتمكن من استعادة قدرته الحركية، ويضم الفريق كذلك متطوعين لتقديم الخدمات المساندة (دعم اللوجستيات، وتنظيم الأنشطة داخل مراكز التأهيل).
وعودًا إلى الطفلة “ماتيلدا”، فقد حدد الفريق المختص القياسات النهائية للطرفين والمواد اللازمة وفق حالتها واحتياجاتها، للبدء بعمليات تصنيع وتجهيز الطرفين، لتدخل بعدها “ماتيلدا” مرحلة إعادة تأهيل ما قبل التركيب؛ وذلك لتحسين حالتها الصحية والنفسية والتخفيف من الآلام، وتساعدها هذه المرحلة على تقوية العضلات وزيادة المرونة والتحمل، وتحسين التوازن والقدرة على الحركة والتنقل، كما حرص الفريق على تعليمها كيفية التعامل مع البتر والتكيف مع التغيرات في جسدها وحياتها.

اللحظة المنتظرة.. الوقوف من جديد
بعد أسابيع من التقييم والتأهيل، حان اليوم الذي انتظرته “ماتيلدا” بشغف وخوف في آن واحد، وبعد تركيب الطرفين، وقفت للمرة الأولى بمساعدة الفريق، وكانت ابتسامتها تملأ وجهها، وعيون والديها غزيرة بالدموع، خطوة تلو أخرى، بدأت تتعلم كيف تستعيد توازنها، كيف تمشي من جديد، وكيف تعود للحياة التي اعتقدت أنها فقدتها.
لم يقتصر الدعم على الجانب الجسدي، بل قدَّم لها الفريق المختص دعمًا نفسيًا؛ لمساعدتها على تقبّل جسدها الجديد، وتعزيز ثقتها بنفسها، وبدأوا تدريبها على استخدام الطرفين الصناعيين في حياتها اليومية، من المشي إلى الجري، واللعب من جديد، وعلى كيفية ارتدائه وخلعه بشكل صحيح.
خضعت “ماتيلدا” لجلسات متابعة دورية لضمان تكيّفها مع طرفيها الصناعيين، ولم تعد بحاجة إلى الاعتماد الكامل على الآخرين، بل استعادت استقلاليتها، وتمكنت من العودة إلى حياتها الطبيعية.
وخرجت ماتيلدا بصحبة والديها، تسير إلى جانبهما للمرة الأولى بعد إصابتها، تغمرها سعادة غامرة باستعادة نشاطها وحيويتها. كانت فخورة بإصرارها على الالتزام بالتدريب والتأهيل الذي وفره لها المركز. ركبت السيارة وحدها، وجلست في كرسيها المخصص، تلاحقها نظرات والديها الفَرِحين بها.