«أوسكار العلوم» لأمريكي وإيطالي لأبحاثهما في التصلب المتعدد

«أوسكار العلوم» لأمريكي وإيطالي لأبحاثهما في التصلب المتعدد
7 أبريل، 2025 - 2:43 ص

حصل طبيب الأعصاب الأمريكي ستيفن هاوزر، وخبير الأوبئة الإيطالي ألبرتو أسكيريو، السبت، على جائزة «بريكثرو (Breakthrough Prize)»، وهي بمثابة «أوسكار العلوم»، عن أبحاثهما في شأن التصلب المتعدد (التصلب اللويحي)، وهو مرض تنكسي عصبي يطال نحو 3 ملايين شخص في العالم.

وأحدثت الدراسات التي أجراها كل من هاوزر وأسكيريو طوال عقود تطوراً ثورياً فيما يتعلق بهذا المرض المناعي الذاتي الذي عُدّ لزمن طويل لغزاً.

وتمكَّنا من توسيع المعرفة بهذا المرض وتوفير معطيات جديدة عنه، إذ أضاء أحدهما على المقاومة المناعية له من بدايته، فاتحاً الطريق أمام علاجات، بينما بيَّن الآخر ارتباط المرض بفيروس.

ويروي هاوزر، في حديث لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن القصة بدأت قبل أكثر من 45 عاماً بلقاءٍ مع مريضة تدعى أندريا، «وهي امرأة شابة موهوبة جداً، كانت محاميةً تعمل في البيت الأبيض… إلاّ أن مرض التصلب المتعدد ظهر لديها بشكل مفاجئ ودمّر حياتها»، بحسب هاوزر الذي يتذكَّر أنها «لم تكن قادرةً على الكلام، مشلولة في جانبها الأيمن، لا تستطيع البلع، وكانت ستفقد قريباً القدرة على التنفس من دون مساعدة». وشعر الطبيب الأميركي بأنه «الأمر الأكثر ظلماً» الذي صادفه في مجال الطب.

«غير محتمل بيولوجياً»

ويضيف الباحث البالغ حالياً الـ74، ويتولى إدارة معهد علوم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا في سان فرنسيسكو (UCSF): «في ذلك الوقت، لم يكن لدينا علاج لمرض التصلب المتعدد، وكان التشاؤم سائداً بشأن إمكان التوصُّل إلى واحد».

وكان المعروف حينها أن هذا المرض الذي يصيب الجهاز العصبي المركزي ويسبب اضطرابات حركية وإدراكية معوقة، ناجم عن فرط نشاط الجهاز المناعي. لكن العلماء كانوا يعتقدون أن الخلايا اللمفاوية التائية، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء، هي السبب الوحيد للإصابة به.

لكنّ هاوزر أعاد النظر في هذه الفرضية. ومن خلال إجراء أبحاث مع زملائه على قرود المارموسيت (قرود القشة)، تمكَّن من إعادة إنتاج آفات عصبية مطابقة لتلك التي تُسجَّل لدى البشر، وذلك بفضل فكرة أحد زملائه لدراسة دور الخلايا اللمفاوية البائية، وهي نوع آخر من خلايا الدم البيضاء.

غير أن الهيئة الأمريكية المسؤولة عن الأبحاث الطبية أجابت الباحثين بأن هذا الاستنتاج «غير محتمل بيولوجياً»، ورفضت طلبهم الحصول على تمويل للتجارب السريرية.

مع ذلك، تمكَّن هاوزر وفريقه المقتنعون بفكرتهم، من تحقيقها بفضل دعم شركة «جينينتيك» لصناعة الأدوية. وفي صيف عام 2006، ظهرت النتائج، وتبيَّن أن الأدوية التي أُعطيت للمرضى واستهدفت الخلايا الليمفاوية البائية أدّت إلى «انخفاض مذهل بأكثر من 90 في المائة في الالتهاب الدماغي».

وفتح هذا التطوّر الثوري الطريق لإنتاج أدوية تبطئ تقدّم المرض لدى كثير من المرضى، لكنه أثار أيضاً أسئلةً كثيرةً أخرى، من بينها آلية عمل خلايا الدم البيضاء ضد الجسم.

مرض النصف الشمالي للكرة الأرضية

كان هذا السؤال محور أبحاث الدكتور ألبرتو أسكيريو الذي أصبح اليوم أستاذاً في جامعة هارفارد، وأجرى أبحاثاً في شأن تفشي حالات التصلب المتعدد في النصف الشمالي للكرة الأرضية.

ويشرح أسكيريو، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن «التوزيع الجغرافي لحالات التصلب المتعدد لافت جداً»، ملاحظاً أن المرض «نادر جداً في البلدان الاستوائية وتلك القريبة من خط الاستواء». وفي سعيه إلى معرفة أسباب هذا التفاوت، طرح الباحث الإيطالي احتمال وجود فيروس وراء المرض، وهي نظرية ثبتت صحتها لاحقاً.

فبعد متابعته وفريقه، لأكثر من 20 عاماً، ملايين الشباب الذين التحقوا بالجيش الأميركي، أكدوا عام 2022 الارتباط بين التصلب المتعدد وفيروس «إبستين بار»، الشائع والمسؤول عن مرض آخر معروف هو التهاب الغدة النكفية المعدي.

ويوضِّح أسكيريو (72 عاماً) أن «معظم الأشخاص الذين يصابون بفيروس «إبستين بار» لن يصابوا أبداً بالتصلب المتعدد (…) إلا أن المرض يحدث فقط لدى الأفراد الذين أُصيبوا بالفيروس أولاً».

وبالتالي، فإن الإصابة بالفيروس شرط ضروري، لكنها لا تفسر وحدها ظهور المرض. ويحيي هذا الاكتشاف الآمال في ابتكار أدوية جديدة، والإضاءة على سبل للوقاية من المرض، علماً بأن علاج التصلب المتعدد لا يزال غير ممكن، والأدوية التي تُبطئ تقدمه ليست فاعلةً لدى جميع المصابين.

ومن شأن هذا التقدم أن يفيد أيضاً أمراضاً أخرى. ويقول أسكيريو: «نحاول الآن توسيع نطاق بحثنا لدراسة دور العدوى الفيروسية في أمراض عصبية تنكسية أخرى، منها مرض ألزهايمر، أو التصلب الجانبي الضموري (المعروف بداء لو غيريغ)».